الأربعاء، 7 أغسطس 2013

للانقلابات العسكرية خصال

الـ الانقلابات العسكرية خصال واضحة لا تترك للمجادل فرصة ليجعل منها ثورة أو إرادة شعبية وحتى لو تم تلبيسها ذلك الرداء فإنه لباس مؤقت سرعان ما يهترئ بفعل عوامل التعرية التي تفرضها الحقيقة ويشهد عليها الواقع.



برويز مشرف عين نفسه باستفتاء شعبي صوري رئيسًا لباكستان عام 2001 بعد عامين من قيادته الانقلاب على رئيس الحكومة المنتخب نواز شريف معيدًا العسكر إلى سدة الحكم بعد عشر سنوات من مصرع الرئيس الأسبق الجنرال ضياء الحق في حادث طائرة. أول شيء فعله مشرف عندما قام بانقلابه تعطيل الدستور، وهذه خصلة أصيلة في الانقلابات لأن الدساتير تمنعها، وطبيعة الانقلاب تتنافر عكسيًّا مع دولة القانون والشرعية الانتخابية. عام 2008 استقال من رئاسة البلاد بعد تصاعد المعارضة ضد حكمه العسكري، وقد أرجع هو ذلك إلى إعطائه الأوامر في يوليو عام 2007 باقتحام المسجد الأحمر (لال مسجد) في إسلام آباد وقال عن ذلك "تلك العملية حولتني من بطل إلى صفر". أدت عملية الاقتحام إلى مجزرة دموية فقد قتل نحو ألف طالب وطالبة داخل المسجد اتهمتهم السلطات بأنهم كانوا متحصنين داخله مستخدمين الأطفال والنساء كدروع بشرية وهو ما تم تكذيبه من هؤلاء وقالوا إنهم كانوا بالداخل بمحض إرادتهم. تم دفن القتلى سرًّا تحت جنح ظلام الليل ومنعت وسائل الإعلام الباكستانية من الحديث عنهم بل أغرقت القنوات مشاهديها بالأفلام والدراما الهندية.
يوم مذبحة المنصة عادت القنوات الفضائية المصرية إلى إغراق مشاهديها بالدراما الرمضانية الحافلة بمشاهد الرقص والخفة وأحضان العشاق بعد أن صامت يومًا واحدًا لنقل احتشاد الحشود الملبية لدعوة السيسي ، ولم تقم وزنًا لأحزان الآباء والأمهات والعائلات المفجوعة بأبنائها الشهداء.
يواجه الآن برويز مشرف تهمة تعطيل الدستور رغم مرور أكثر من 14 عامًا على انقلابه عام 1999، والمدهش أن نواز شريف أصبح في الحكم الآن، بينما يخضع مشرف للإقامة الجبرية. 
تعطيل الدستور لتسويغ الانقلاب لا تسقط تهمته بالتقادم، ولذلك فمن خصال الانقلابات التمسك بالواقع الذي خلقته إلى آخر مدى.
بمقارنة الحالات المصرية بدءًا بثورة 1952 ونهاية بعزل مرسي وتعطيل الدستور يوم 3 يوليو لتمرير ذلك العزل، نستطيع بسهولة تبين خصال الانقلاب وخصال الثورة أو الإرادة الشعبية. أهم خصال الانقلاب أنه لا يأمن وجود الرئيس بعد عزله مطلق السراح فيتم إخفاؤه ومنعه من ممارسة حريته كرئيس سابق وتركه وشأنه يواجه القضاء الطبيعي في ظل سيادة القانون في حال وجود وثبوت اتهامات ضده. السبب أن عزل الرئيس أو خلعه بغير إرادته لا يجوز دستوريًّا أو قانونيًّا، وحتى في حال تعطيل الدستور من القوة التي عزلته يظل رئيسًا شرعيًّا ولا ينطبق عليه وصف السابق ولا تجوز محاكمته وعزله إلا بالضوابط الدستورية. 
اختفى مرسي منذ يوم عزله ولا يعرف أحد مكانه. يقال لنا إنه في مكان آمن حفاظًا على حياته.. ممن؟!.. لا ندري. لماذا لم يختف مبارك وقد كان هناك خطر على حياته في ظل رفض شعبي كبير له ولمن ينتسبون إلى نظامه؟! أسرة مرسي قالت إنه لم يتصل بها إطلاقًا ولا تعرف عنه شيئًا. مبارك تنحى بقرار وكلف المجلس الأعلى للقوات المسلحة بإدارة شئون البلاد وتلك شرعية تم انتقالها منه بطواعية مما ينفي صفة الانقلاب، والمجلس العسكري عندما أوقف العمل بدستور 1971 وكلف لجنة البشري بوضع التعديلات الدستورية التي تم إعلانها في مارس 2011 كان متمتعًا بشرعية رئيس البلاد التي يمنحه الدستور حق طلب إجراء تعديلات على بعض مواده.
هذا فارق رئيسي هام بين خصال ثورة 25 يناير الشعبية وبين ما حدث في 3 يوليو 2013، يضاف إليه أن مبارك لم ينتقل من القصر إلى السجن بل إلى فيلته بشرم الشيخ مع عائلته وظل قادرًا على التواصل مع العالم الخارجي ولعل كلمته من خلال قناة العربية تبرهن على ذلك وهي الكلمة التي أرسلتها زوجة ابنه خديجة الجمّال في ملف صوتي من بريدها الإلكتروني. 
وقد سألت الأستاذ عبد الرحمن الراشد المدير العام للمحطة عن قصة هذا الخطاب الذي أثار جدلاً وغضبًا شديدًا لدى ثوار يناير فقال لي إن مبارك أو أحدًا من الأسرة – لا أتذكر بالضبط – اتصل بالمراسلة طالبًا توجيه كلمة إلى الشعب المصري عبر القناة وأنها طلبت إمهالها وقتًا لاستئذان مديرها، وقد عاتبها الراشد على ذلك بشدة، فالمنافسة الصحفية وقواعد السبق الإخباري تحتم عليها عدم تفويت فرصة ذهبية للتميز والانفراد، واضعًا في اعتباره أنه ربما يفكر مبارك أكثر فيتراجع عن طلبه. الأستاذ الراشد أخبرني فيما بعد أن مبارك داخل محبسه الاحتياطي في المركز الطبي العالمي التابع للقوات المسلحة عقب نقله إليه من مستشفى شرم الشيخ اتصل بالمذيعة المرموقة منتهى الرمحي عقب حلقة من برنامجها "بانوراما" ليبدي بعض الملاحظات على أقوال ضيوفها التي كانت تنصب على فترة حكمه، وعرفت منه أن تلك المكالمة التي فوجئت بها منتهى كانت قبل فترة قصيرة من نقله إلى سجن طرة عقب صدور الحكم عليه بالسجن.

0 التعليقات:

إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

Twitter Delicious Facebook Digg Stumbleupon Favorites More