الخميس، 25 يوليو 2013

ليس انقلابا عسكريا بل ثورة الكوميديا

ليس انقلابا عسكريا بل ثورة الكوميديا


بقلم وائل قنديل

من حيث المصنعية، نسيء كثيرا لمفهوم الانقلابات العسكرية، رغم الإدانة الكاملة لها، إذا اعتبرنا "حادثة ٣٠ يونيو" انقلابا عسكريا، ذلك أن كمية التخبط والعشوائية والارتجال وعدم القدرة على صياغة وحبك المبررات الكاذبة، تجعلنا بصدد الآتي: مجموعة من المغامرين قرروا أن يستولوا على سيارة حديثة جدا وينطلقوا بها، غير أنهم بعد التخلص من صاحبها وركابها، اكتشفوا أنهم لا يجيدون القيادة فمكثوا يتخبطون بها في الخلاء.
إننا أمام انقلاب كوميدي في حقيقة الأمر، تبدأ وقائعه قبل الثلاثين من يونيو بكثير، عندما اصطحبوا مجموعة من الممثلات والممثلين الكوميديين ومثلهم من الإعلاميات والإعلاميين الفكاهيين للاطلاع على أحد المشروعات التدريبية للقوات المسلحة، وبالمرة التقاط الصور التذكارية مع الدبابات والمدرعات، كما يحدث في رحلات الطلبة إلى المتاحف وحديقة الحيوان والقناطر الخيرية.. وبعدها انطلقت عروض عبثية تجوب مصر كلها تتحدث عن وطن كان جيشا فقط ثم نبتت له دولة، بما يعنى أن مصر هبة القوات المسلحة.
وقبل تنفيذ الانقلاب بأسبوع كامل كانت صحف - بالتأكيد هي لا تخترع أو تجتهد - تنشر أن قادة الجيش حسموا أمرهم وقرروا الانقلاب فيما عرف بـ"هيكلة" النظام بعد عزل مرسي، الأمر الذي ينفى تماما أن قرار وزير الدفاع في الثالث من يوليو كان نتيجة ما جرى قبل ذلك بثلاثة أيام وأعني مظاهرات ٣٠ يونيو الفاخرة الممنهجة المهيكلة.
أما عن كوميديا ما بعد الانقلاب فحدث ولا حرج، ويكفى أن تتابع حركة أرجوحة التسريبات وأخبار جس النبض خلال الثماني والأربعين ساعة الماضية فقط: تمرد تعلن أن الرئيس المعزول بخير ويقيم في فيللا عسكرية وكل طلباته مجابة.. ولا أدري إذا كانت "تمرد" لحظة إعلان هذا الخبر على موقعها الرسمي، لم تزل حركة شبابية، أم أنها صارت الذراع الإخبارية للقوات المسلحة، أو أدمجت في إدارة الشئون المعنوية مثلا حتى يصبح من سلطتها وصلاحيتها التحدث باسم منفذي الانقلاب؟
ثم تصعد الكوميديا إلى ذروتها محلقة في فضاء الخيال العلمي بأن تنشر "الأهرام" الحكومية نبأ حبس الرئيس محمد مرسي ١٥ يوما بتهمة التخابر عن طريق استعمال الهاتف المحمول لوزير الدفاع، ثم تنفرد وتنثني وتنفرد مرة أخرى بكل رشاقة بنشر محتوي مكالمات التخابر الأربع، بما أدى إلى سماع أصوات نحيب في مقبرة ألفريد هيتشكوك رائد سينما التشويق والكوميديا الراحل، بعد أن تفوقت عليه الأهرام والقائمون على تغذيتها بهذا النوع من التسريبات، في فنون الإثارة والتشويق.
وفور نشر هذه القنبلة اللطيفة يفاجئك النائب العام الجديد بأنه لم يصدر قرارا بحبس الرئيس ولم يتم اتهامه ولا يعرف مكان احتجاز الرئيس أصلا (دولة مؤسسات فعلا) ثم يخرج المتحدث العسكري بتصريحات ينفي فيها ما نشرته "الأهرام" جملة وتفصيلا، غير أن رئيس تحريرها يصر على تقمص شخصية "الرجل الذي يعرف أكثر من اللازم" ويكذب المتحدث العسكري، لتكتمل الملهاة بخروج منسق تمرد بتصريحات ينفي فيها ما ورد على موقع تمرد الرسمي بشأن ظروف احتجاز الرئيس.
ومن الواضح تماما أن نظام السيارة المخطوفة معقد إلى حد أصاب مجموعة المغامرين بكل هذا الارتباك والتلعثم والتخبط، ما يدعم التوصيف الذي وضعته مجلة "تايم" لحالة الرئيس مرسي بأنه "سجين ضمير" أو بتعبير الدكتور شريف بسيوني، أستاذ القانون بجامعة "ديبول" الأمريكية، والمحقق السابق بالأمم المتحدة في مجال حقوق الإنسان: "لا شك في أن احتجاز مرسي خرق لمعاهدة الأمم المتحدة لحقوق الإنسان، ولذلك يتم الآن البحث عن جريمة لاتهامه بها، ولا شك في أنه سجين ضمير".
إن التهمة التي ينبغي أن يحاكم بها مرسي هي المثالية والطيبة والإفراط في حسن الظن.

0 التعليقات:

إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

Twitter Delicious Facebook Digg Stumbleupon Favorites More